يلعب بأساليب سلفه صالح.. الرئيس هادي يمدّ جسور التواصل مع جماعة الحوثي.. كيف، ولماذا؟!

نقلا عن صحيفة الناس

يشترك الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح والحالي عبدربه منصور هادي في اللعب على ورقة التحالفات القائمة على استمالة القوى الجديدة، أو تحييدها في أدنى الأحوال. ويكاد الموقف من جماعة الحوثي ذات التسليح الكثيف والعقيدة الدينية المغلقة يجمع الرجلين من ناحية أنّهما معاً يخوضان سباقاً في اتجاه استرضاء الحوثيين، مع اختلاف في الغايات، وفي الوسائل أيضاً، بل

الرئيس هادي

الرئيس هادي

واختلاف في درجة المسموح بظهوره من التحالفات، وما تتطلبه من صفقات، فصالح بعكس هادي يقوم فيما يخصه ويخدم مصالحه بإجراء الصفقات مع الحوثيين جهاراً نهارا، بينما يحاول هادي أن يحيط بالكتمان ما يعقده من صفقات معهم. لكن ليس دائماً يستطيع هادي إدارة تحالفاته في الخفاء، فما كادت تمضي الأشهر الأولى على إمساكه بمقاليد الأمور في البلد إلا وظهرت على فلتات سياساته إجراءات تتقاطع مع مصالح الحوثيين ولا تتعارض مع تطلعاتهم الطامحة إلى مزيد من إحكام قبضتهم على محافظة صعدة وما هو أبعد.

ينطلق الرئيس عبدربه في التعاطي مع ملف شمال الشمال الشائك بعنوانه الحوثي من بعد استراتيجي يتعلق بأحلام لا شك أنها تراوده، وهو أن هذا الملف من بين جملة ملفات رئيسية كالقضية الجنوبية وملف الإرهاب الامتحان الحقيقي الذي إن استطاع هادي احتواءها والسيطرة عليها يكون قد أثبت استحقاقه لمنصبه والثبات فيه إلى أطول فترة ممكنة، فالرئيس القادم إلى السلطة في ظروف استثنائية يبدو أن شعوره أنه محل توافق القوى السياسية الرئيسية في اليمن، وأنه بذلك طوق النجاة للوطن قد أثر عليه عكسياً، وهو ما جعله يتجه إلى التفكير بطريقة مختلفة

الرئيس المخلوع صالح

الرئيس المخلوع صالح

أخذت طموحاته بسببها تتجه في اتجاه معاكس لما يفترض أنه يدركه من حيث أنه رئيس انتقالي لفترة محددة ومحدودة. وهو ما يمكن ملاحظته بكل وضوح في الإجراءات التي يتضح منها أن الرئيس هادي يأخذ في اعتباره إمكانية أن يستمر في موقعه لفترة رئاسية تخلف المرحلة الانتقالية.

طريقة “المشتهي المستحي”!

تعمد هادي أن يلاعب الحوثيين على طريقة “المشتهي المستحي”. ربما لم يكن هذا في باله خلال الأسابيع الأولى من إمساكه بالسلطة، لكنّ تحركات صالح باتجاه الحوثيين وتحالفاته الواضحة معهم تم فهمها لدى هادي من أكثر من زاوية. الأولى أن الرئيس السابق يريد أن يوصل رسالة للجوار الإقليمي بأنه لا يزال يمسك بيده جانباً من خيوط اللعبة في المضمار السياسي، ومن بين هذه الخيوط الأكثر أهمية الاتجاه ناحية الحوثيين وخلق تحالفات معهم قائمة على مصالح تتناسب مع طبيعة المرحلة التي يسعى صالح فيها إلى إثبات أنه ورقة رابحة تستطيع القوى الإقليمية والدولية المراهنة عليها. وذلك على أساس أن التقارب بين صالح والحوثيين يجعله الأوفر حظاً في مناورة الإقليم والمجتمع الدولي بهذا الملف الشائك. والرسالة التي يريد إيصالها هي أنه بقدر ما يستطيع من خلال تحالفاته مع الحوثيين أن يفاقم من شأن التهديد الذي تستشعره الجارة السعودية بالأساس من تزايد نفوذ وسيطرة هذه الجماعة المسلحة فإنه يستطيع في الاتجاه المعاكس أن يلعب دور المطمئن للجوار الإقليمي، على أساس أنه يستطيع بتحالفاته مع الحوثيين أن يكون حلقة وصل بينهم والجارة السعودية للتوصل إلى تسويات ينتفع منها الجانبان معاً؛ المملكة العربية السعودية وجماعة الحوثي.

ومن زاوية ثانية فقد قرأ الرئيس هادي تحالفات سلفه صالح مع الحوثيين من حيث أنها رسالة تستهدف إضعاف مركز هادي ذاته، وتعمل على تقويض أحلامه في بناء مراكز قوى وخلق شبكة تحالفات توفر له فرص الظفر بفترة رئاسية قادمة. يدرك الرئيس عبدربه أن التعويل كثيراً على حزبه “المؤتمر الشعبي العام” لتشبيك أدراج السلم التي يمكنه تسلقها ليبقى رئيساً لفترة أطول تعويلاً ليس في محله، فالمؤتمر ما تزال مراكز قوى فيه تدين بالولاء لصالح الذي يتمسك برئاسة الحزب، ويصر على أن يظل رئيساً للرئيس هادي. وفوق ذلك فلا شك أن هادي لم يكن يأخذ في باله أن المؤتمريين سيتقاربون مع الحوثيين بذلك المستوى من التشابك والتقارب وبتلك الدرجة من السرعة التي فاقت التوقعات. لهذا السبب يجد هادي أن تحالفاته مع الحوثيين تخدم تطلعاته في السلطة، لاسيما مع صعوبة التفريق بين الحوثييين والمؤتمريين، وهو الأمر الذي لاحظه الرئيس على قيادات حزبه خلال اجتماع قالت مصادر كانت حاضرة فيه إنّ هادي سأل قياداته إلى أي مدى يريد الرئيس السابق أن يذهب في علاقته مع الحوثيين؟ وحين جاءه الجواب إن صالح سيوصل تحالفه مع جماعة الحوثي إلى أبعد مدى لم يظهر على الرئيس أنّه فاجأه الجواب، وإنما ابتسم وكأنه يريد أن يقول إنّ ذلك طبيعي بالنسبة لصالح.. ولكن ماذا بالنسبة له؟

خطورة اللعبة

بالنسبة للرئيس عبدربه منصور يبدو أنه حينما وجد نفسه محاطاً بالحوثيين في حزبه المؤتمر قرر على قاعدة “إذا حضر الماء بطل التيمم” أن يمد صلاته بالحوثيين بالأصل وليس الحوثيين المؤتمريين، في خطوة يأتي من بين أهدافها أن استمالة الحوثيين المؤتمرين إلى جانبه لا تكون إلا بالتوافق مع الحوثيين الأصليين، فبتوافقه مع الحوثيين بالأصالة يكون قد ضرب عصفورين بحجر واحد، بمعنى أنه سيضمن معاضدة الحوثيين بالأصالة له، وكذلك معاضدة الحوثيين بالوكالة، وهم الحوثيون في المؤتمر الشعبي العام، الذين لا قرار لهم من تلقاء أنفسهم وإنما هم تابعين للحوثيين بالأصالة.

وإلى جانب الترتيبات مع الحوثيين التي لن يغفل هادي عن استفادته منها على صعيد تقوية مركزه في السلطة من الواضح أنه يلعب بهذا الملف اللعبة نفسها التي يلعبها صالح. فالرئيس عبدربه يستشعر أهمية الرسائل التي يستطيع صالح بتحالفاته مع الحوثيين توجيهها للخارج الإقليمي والدولي. وهذا في حد ذاته سبب كاف ليرى هادي أنه أولى باللعب على ملف الحوثيين، وإرسال تلك الرسائل التي يمكنه بها تعزيز فرصه في التمديد في كرسي الرئاسة. هادي هنا يخوض صراعاً مع سلفه صالح، ولكن بأدوات صالح ذاتها، وبأساليبه كذلك. والأشد مرارة على صالح أن هادي يلعب في المربع الذي يظن الرئيس السابق أنه يخصه وحده.

وخطورة لعبة الرئيس الحالي هادي والسابق صالح على ورقة الحوثيين قد تأتي عليهما معاً. يشعر الحوثيون أنهم استطاعوا لفت نظر مركزي القوة الرئاسية، السابقة في شخص صالح وعائلته وحزبه والحالية في شخص هادي والعديد من رجالاته المقربين، إلى أهمية الجماعة الحوثية في إضعاف المركز الرئاسي الحالي إذا اختار عدم التحالف معها، وتقوية المركز الرئاسي السابق باختياره التحالف معها. والحوثيون في الأخير لهم حساباتهم الخاصة التي وإن تقاطعت مع حسابات هادي وصالح ردحا من الزمن سيأتي اليوم الذي تلتهم فيه الجماعة حلفاءها بقسوة.

 ليّ ذراع القوى الوطنية

كان لافتاً أن شهوراً مضت على استلام الرئيس هادي للسلطة ووضع محافظة صعدة البعيد عن سلطات الدولة لم يدخل ضمن اهتماماته. في ذلك الوقت كان مستحيلا التلويح بأن هادي يستلذ ويستمتع “لغايات في نفس يعقوب” أن يوسع الحوثيون سلطاتهم في صعدة والمحافظات المجاورة لها. لكن مع مرور الأيام ظهرت الكثير من مؤشرات استراتيجية خاصة يتبناها الرئيس عبدربه تجاه الحوثيين، وهي الاستراتيجية التي تتقاطع مع تطلعات اتضح أنه يحلم بها ويسعى في اتجاهها بقوة.

في لعبة توازنات القوى يريد هادي أن يلوي ذراع القوى الوطنية الأخرى، وبالخصوص القوى السياسية في اللقاء المشترك، بإظهار أنهم إذا لم يقفوا خلفه للعبور به إلى فترة رئاسية قادمة فإنه سيلعب على ورقة الحوثيين كتهديد للقوى السياسية الأخرى. ويكاد يكون هو الأمر عينه بالنسبة للأطراف الإقليمية والدولية الراعية لاتفاق التسوية التي تمت في ضوء المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية. فكما كان الرئيس السابق يستغل هذه الورقة في لعبة استدرار الدعم الإقليمي والدولي، هاهو الرئيس الحالي يسلك الطريق ذاته، مع فارق أن الورقة الحوثية أصبحت ملفاً ملغوماً إذا لم يتم الاقتراب منه بحذر وبغرض نزع الصاعق منه فإنّ أضرار انفجاره ستعم الوطن من أقصاه إلى أقصاه. ونزع الصاعق منه يعني أن تتحول جماعة الحوثي إلى حزب سياسي وتتخلى عن سلاحها الذي يعني مصدر تهديد مستمر للدولة وسيادتها.

ما يستطيع المتابع أن يقطع به هو أن الرئيس هادي لا يزال إلى الآن في مرحلة مدّ جسور التواصل مع الحوثيين بطريقة تصب مخرجاتها كلها في صالحهم، أما ما استفاده هو منهم فيكاد ينحصر على إيصال رسائل إلى سلفه صالح بأنه ليس وحده القادر على اللعب على ملف الحوثيين، وأنه يستطيع أن يسحبه منه. هذا من جهة ومن جهة ثانية يرسل هادي إلى القوى السياسية رسائل مفادها أنه إذا لم يكونوا طوع طموحاته قادر على المناورة والاستغناء عنهم بالحوثيين. أما أكثر من ذلك فإنّ الأيام حبلى بالمفاجآت التي قد تترتب على هذا التحالف الذي تشير الدلائل حتى اللحظة أنّ كفة الحوثيين من ناحية الاستفادة منه هي العليا، وأنّ كفة الرئيس هادي هي السفلى.

 بعض حلقات السلسلة

باستثناء عملية تسليمه رفات مؤسس جماعة الحوثي مؤخراً يتضح أنّ الإجراءات التي اتخذها الرئيس هادي مع الحوثيين تأتي لدوافع سياسية خالصة، تصب في مجرى التحالفات التي سبق إيضاحها. لقد اتضح أن الصمت الذي تسربلت فيه الرئاسة عن خروج صعدة عن سيادة الدولة صمتاً مقصوداً يخدم أهداف التطلعات التي يعول هادي على اللعب بورقة الحوثيين في سبيل الوصول إليها.

وفي سلسلة إجراءات رئاسية أسهمت في تقوية الحوثيين تبرز مواقف لافتة شدد عليها الرئيس هادي منذ وقت مبكر. ومنها حسب مصادر مقربة من هادي أنه قام بتوجيه رسائل شديدة اللهجة لمسئولين تنفيذيين في العديد من وسائل الإعلام الرسمية يأمرهم فيها بالتجاهل الكامل إعلاميا لأي أحداث أو مواقف سلبية تصدر من الحوثيين تجاه الدولة، وأن يتم السكوت عن مواقف الحوثيين الرافضة للمبادرة الخليجية والتسوية السياسية، كما أمر بعدم توجيه أي انتقاد للحوثيين عبر وسائل الإعلام الرسمية مهما كانت المواقف التي يتخذونها مدعاة للانتقاد.

كما أن تعيين عبدالقادر هلال أمينا للعاصمة، وهو المعروف بعلاقته الوثيقة مع جماعة الحوثي يعد مكافأة للحوثيين، الأمر الذي هيأ لهم نقل نشاطهم وبشكل واسع إلى العاصمة صنعاء، مستغلين التسهيلات الممنوحة لهم بهذا الخصوص. كما لا يمكن نسيان تسليمهم قاعة 22 مايو للمؤتمرات الدولية وما يعنيه إقامتهم احتفالا خاصا بهم فيه من مغزى كبير لا يمكن فهمه بعيداً عن سياق لعبة التحالفات التي يلعبها الرئيس هادي بدوافع مصلحية شخصية، ضارباً عرض الحائط بمنظومة القيم التي تتطلبها عملية بناء الدولة المدنية الحديثة التي يجب أن يكون هو من موقعه كرئيس للدولة أن يكون أحرص الناس عليها.

أضف تعليق