اليمن بعد عامين من ولاية هادي..اللحظة المحورية في الانتقال

*كاثرين زيمرمان فبراير 2014

 ترجمة: أمين الجرادي

 قبل عامين من الآن, تحديدا في 21فبراير 2012, تم انتخاب الرئيس عبده ربه منصور هادي رئيسا توافقيا لليمن خلال المرحلة الانتقالية, خلفا للرئيس السابق الذي أطاحت به ثورة الربيع العربي في اليمن في العام 2011. وقد جاء انتخاب هادي حسب ما نصت عليه بنود الخطة التي وضعتها المبادرة الخليجية بدعم ورعاية من مجلس الأمن والمجتمع الدولي من أجل ضمان الانتقال السلمي للسلطة.

إذا ماذا أنجز اليمن خلال العامين السابقين من ولاية الرئيس الانتقالي الجديد هادي؟ ماذا عن نتائج الحوار ومستقبل الفيدرالية؟ ما هي

خريطة الاقاليم الجديدة

خريطة الاقاليم الجديدة

أسباب وتداعيات التأخير في تنفيذ آلية المبادرة حسب الفترة الزمنية المنصوص عليها؟  ما هي أهم الحركات والجماعات التي تشكل خطرا واضحا في إعاقة تنفيذ المبادرة ونقل السلطة؟ أخيرا, والأهم: ما هو تقدير المجتمع الدولي والدول الداعمة لآلية تنفيذ مبادرة الانتقال في اليمن؟ مقارنة, وبالنظر إلى صعوبة الأوضاع وتدهور الجانب الأمني واستمرار نخب النظام السابق في إعاقة الانتقال, فقد استطاع اليمن تحت قيادة الرئيس الجديد عبده منصور هادي انجاز الكثير.

أسئلة الانتقال

وصلت اليمن اليوم -على صعيد الانتقال السياسي- إلى نقطة حرجة. التقدم في عملية الانتقال السياسي بطئ لكن العملية لا زالت مستمرة. حتى بعد زوال ثلاث عقود من حكم النظام السابق لا تزال هنالك تحديات كبير ة في المستقبل.

هنالك نوعان من التهديدات الخطير ة والتي تشكل تحديا كبير ا للجانب الأمني للدولة, إضافة إلى التهديد المباشر التي تشكله القاعدة في اليمن وشبه الجزيرة العربية. النوع الأول من التهديد الحركة المطالبة بالانفصال جنوب اليمن, رغم جهود الحكومة في تنفيذ برنامج الإصلاح المستمر, لكن يبقى احتمال نشوب اضطرابات مدنية في المحافظات الواقعة في هذا الجزء من البلد.

في محافظات الجنوب تحشد فصائل الحراك التي تدعو إلى الانفصال, عدد من الأشخاص المؤيدين, وتتخذ هذه الفصائل من الأعياد والمناسبات الوطنية فرصة لإقلاق الأمن, وصناعة الارتباك في المشهد, وبث الرعب في قلوب المواطنين. ولا تخلو الجموع التي تحشدها الفصائل من ارتكاب حالات العنف وحمل السلاح.

مؤتمر الحوار الوطني

مؤتمر الحوار الوطني

 قد لا يحل الانفصال في اليمن إشكاليات هذا البلد المتعددة, وأهمها ما يتعلق بالأمن والاقتصاد وغيرها, إلا أن الوصول إلى مثل هذه الحالة في اليمن –وهو ما تتحاشاه القوى الدولية- لا يستبعد أن يؤدي إلى نشوء دويلات صغيرة في الجنوب, وينتهي الأمر بصراعات لا تعرف نهاية حول السلطة والموارد.

 التهديد الثاني, الجماعة الحوثية, وهي جماعة متمردة استطاعت لفت الحضور بإصرارها على حمل السلاح منذ مراحل سابقة في وجه الدولة, كما قامت بالسيطرة على عدد من الأراضي في الشمال خلال العامين 2011, 2012, ولا زالت حتى اللحظة مستمرة في الطعن المباشر في سلطة الدولة من أجل حماية تلك المكاسب.

بقوة السلاح والإصرار على مزاولة العنف استطاعت الحركة الحوثية بسط النفوذ والتوسع على حساب مناطق السلطات الدولة, إضافة إلى استمرار سيولة الدعم الإيراني الذي هدف خلال مراحل سابقة- لعل أهمها أحداث الثورة الشعبية 2011- إلى إيجاد دولة شيعية مستقلة في شمال اليمن. لكن الاحتمال والتوقعات الإيرانية بسقوط الدولة في اليمن خلال تلك الأحداث لم تنجح, كما أصبح الحلم الإيراني بوجود حليف إقليمي على الجبهة الجنوبية للحدود السعودية في شكل الدولة المستقلة قد جنا الكثير من المخيبات.

من غير المرجح لليمن اليوم أن تنجح من تلقاء نفسها،فالتقدم المحرز الذي جاء بشق الأنفس من الممكن أن يمحى بسرعة. وتواجه

مظاهرة للحراك الجنوبي

مظاهرة للحراك الجنوبي

الدولة المركزية تحديات متعددة على جبهات متعددة . لا بد للدولة أن تستمر في تكريس الجهود لتعزيز عملية الانتقال السياسي. هناك احتمال أن تسعى النخبة السياسية إلى عرض اقتراحات من شأنها عرقلة العملية عندما يصبح الوقت لتحويل التوصيات إلى إجراءات ملموسة . ومن المرجح عدم تنازل هذه النخبة عن السلطة دون قتال. تحتاج الدولة المركزية أيضا إلى البدء في معالجة الأوضاع الاقتصادية التي دفعت العديد من اليمنيين إلى الشوارع في العام 2011.،إن حالة عدم اليقين السياسي والبيئة الأمنية السيئة هي من زادت من ضمور عملية التقدم كما دفعت إلى تفاقم المشكلة. أخيرا، سيتعين على الدولة أن تكون مستعدة لمواجهة التهديدات الأمنية المتعددة، بما في ذلك التهديد المستمر من القاعدة في جزيرة العرب، وأن تعيد النظر في برنامج إصلاح قواتها الأمنية. تلك هي المهمة الحقيقية التي تنتظرها.

اليمن والاقليم

تواجه اليمن خطر الأزمات المتفاقمة الوافدة من بلدان الشرق الأوسط، والتي تتضاءل من جانب واحد في سوريا. وتحول المملكة العربية السعودية اهتمامها بشكل أساسي من جارتها الجنوبية- اليمن- إلى بلاد الشام نحو سوريا. وقد قامت في بناء واستثمار جدار خرساني حديدي صلب لتقييد الحركة عبر الحدود اليمنية السعودية الطويلة، وذلك في عملية الحد من عملية تدفق عدد من العمالة اليمنية إلى محافظات المملكة. المملكة العربية السعودية قد لا تصدق في قرارها بإنقاذ اليمن من كما فعلت في الماضي، على الرغم من أن بعض توجهات قطع العلاقات بين البلدين قد تستفيد منه اليمن ( وفي المنطق لا يمكن للسعودية أن تتصرف دائما مع مصلحة اليمن). وينطبق الشيء نفسه على دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، التي تحولت في اهتمامها صوب إلى سوريا مع نفس الاهتمام.

لكن مع ذلك فاللحظة الراهنة ليست هي الوقت المناسب للتخلي عن اليمن، حتى عندما تتم المطالبة بلفت الاهتمام إلى قضايا أخرى. إن أقسى ما يحمله خطورة الوضع الحالي هو أن اليمن يفشل في الانتقال بسلاسة، مع ملاحظة تضييع وفقدان المكاسب الأخيرة للبلد. هناك خطر آخر حقيقي والذي من الممكن أن يؤدي إلى تعثر اليمن وجرفها نحو الهاوية، ويتمثل هذا الخطر في أن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب يسعى مرة أخرى للتوسع وتكثيف الأنشطة والهجمات الإرهابية.

اليمن اليوم في إيجاز

يقف اليمن اليوم في لحظة محورية في تاريخه، بعد ثلاث سنوات من اندلاع الاحتجاجات الشعبية لا يزال مستقبل البلد على المحك. لتظل إستراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية لمواجهة تنظيم القاعدة في شبه على المحك أيضا. لا زالت اليمن اليوم في خضم عملية التحول السياسي التي من شأنها أن تتغلب على تنظيم القاعدة في نهاية المطاف و إصلاح الوضع القائم والانتقال صوب اللامركزية في الحكومة. لكن نجاح هذا الجهد هو بأي حال قد لا يكون في كل الأحوال نتائج مضمونة. الإصلاحات ، على أية حال، لن تستطيع بمفردها معالجة الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية المتردية, والتي توفر أرضية خصبة لتنظيم القاعدة والجماعات الأخرى المتمردة الخارجة على سلطة الدولة.

وعلاوة على ذلك، فإن الدولة المركزية، ليست قادرة تماما على ممارسة سيادتها في جميع أنحاء البلاد، لأنها أضعف مما كانت عليه قبل عام 2011. الجماعات المتمردة، والتي تحولت إلى جماعات تندد بالعنف كما الماضي، ربما لا تزال تسعى إلى تشكيل دول مستقلة خاصة بها، ذلك ما ينذر بانهيار هيكل الدولة اليمنية الهش تماما.

مسلحون حوثيون في احدى النقاط على مداخل مدينة صعده

مسلحون حوثيون في احدى النقاط على مداخل مدينة صعده

لا بد من ضمان تحقيق المصالح الأميركية في هذه العملية ولعل أهمها تفهم الحكومة اليمنية حقيقة أن تنظيم القاعدة في اليمن هو من بين الأكثر التنظيمات ضراوة التابعة لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب والذي يشكل تهديدا مباشرا على الأمن القومي للولايات المتحدة.

مسلسل سوريا وإيران وقضايا السياسة الخارجية والمحلية الأخرى وتشتيت جهود الولايات المتحدة وشركائها الإقليميين من المشاركة, مازالت مستمرة في اليمن. ومن دون الدعم الدولي، لهذا البلد من المرجح عدم استكمال سير العملية الانتقالية في هذا البلد بسلاسة، كما سوف تتضرر بشدة المصالح الأمنية.

وخلص اليمن في يناير 2014 من برنامج حوار وطني والذي كان بمثابة منتدى للفصائل اليمنية المختلفة لمناقشة القضايا الرئيسية، وفي نهاية المطاف تقديم مجموعة من التوصيات من أجل الإصلاح على أساس توافق الآراء. مثل هذه التوصيات التي خرج بها مؤتمر الحوار لا تزال بحاجة إلى التنفيذ. ويتخوف الكثيرون من أن سماسرة السلطة الرئيسية لا يزال لديها فرصة لكبح التقدم على صعيد الانجازات التي تم إحرازها خلال المرحلة الأخيرة من العملية السياسية.

الحوثيون حركة مسلحة في الشمال وثبت الدعم الإيراني لها, من أجل, خلق دويلة في اليمن مع مجموعة الاحتمالات والتوقعات في انهيار وسقوط الدولة المركزية في العام 2011م، الحوثيون شاركوا في العملية السياسية، لكنها انسحبت في الأيام الأخيرة لعملية الحوار، وقد توسعت الحركة الحوثية على حساب الحكومة في محافظة صعدة والمناطق المجاورة، وصحب هذا التوسع على الدوام العنف، وليس من الواضح أو المحتمل أن تتنازل هذه الحركة عن المناطق التي سيطرت عليها وتقع تحت قبضتها إلى السلطات الحكومية والدولة المركزية، إلى ذلك أيضا شاركت بعض فصائل الحراك الجنوبي المنقسمة في هذه العملية السياسية، لكن عدد كبير من جميع المشاركين قد تراجعوا عن دعم الدولة الاتحادية والتي تتكون من ستة أقاليم. ودعا البعض من زعماء الفصائل المطالبة بالانفصال المؤيدين إلى حمل السلاح وتجديد هذه الدعوات.

 عملية الانتقال السياسي

الاحتجاجات التي اندلعت في اليمن خلال الربيع العربي 2011 انهارت أمامها قدرة علي عبد الله صالح في الاحتفاظ بالسلطة. وكان صالح قد حكم بعناية من خلال بناء العلاقات مع زعماء القبائل اليمنية وتطوير شبكة الرعاية الشخصية لهم والتي امتدت بتأثيراتها السلبية على الاقتصاد والمهام الرئيسية للدولة اليمنية، وقد وضع صالح على رأس قيادة الاجهزة الامنية والعسكرية أفراد اسرته, والاعتماد على هذه القوات لتلبية مختلف التهديدات الأمنية.

مبادرة دول مجلس التعاون الخليجي خطوة مهمة مهدت لسحب بساط السلطة من تحت أقدام صالح ، كذلك وضعت خطة زمنية مجدولة لسير عملية الانتقال في مدة عامين.. الخطة، أخذت في الحركة تنفيذها نهاية تشرين الثاني 2011، وبدعم من المجتمع الدولي، سارت، لكن يبدو أن هنالك وقت كبير في التأخير والتنفيذ.. احد أولى المعايير الرئيسية لهذه الخطة انتخابات فبراير 2012 التي وضعت الرئيس هادي، كمرشح التوافقي في منصب الرئيس، وفرضت تشكيل وحدة وطنية في الوقت المناسب. وكانت اليمن أيضا قد استضافت مؤتمر الحوار الوطني الشامل لمدة ستة أشهر، وخلال الأيام القادمة هدفت الخطة إلى إجراء استفتاء على دستور جديد، وصياغة القوانين الانتخابية الجديدة للانتخابات الوطنية في فبراير شباط العام 2014. لكن لم تف اليمن بكل هذه الأهداف، إلا أن عملية التحول السياسي لا زالت في طريقها للمضي قدما.

الرئيس هادي

الرئيس هادي

التأخير في استكمال عملية الحوار الوطني المنصوص عليها، جاء نتيجة تعنت بعض الفصائل السياسية اليمنية في طلب التعويض عن المظالم التي طال أمدها مع الحكومة المركزية. مفهوم الحوار الوطني  لم يكن  مفهوما جديدا في اليمن، لكن البلد شهدت حالات ومؤتمرات بنفس هذه التجربة إلا أنها لم تعشها خلال عقود الرئيس السابق علي عبدالله صالح، وقد تمكن الرئيس هادي بحماس شديد تأمين المشاركة في هذا المؤتمر المنعقد تقريبا في جميع الحالات، وهو إنجاز كبير للرئيس الانتقالي في حد ذاته لأن توجهات وأهداف النظام السابق  كانت قد حالت دون بدء حوار وطني في السنوات السابقة. وكان الاتفاق على هيكل الحوار، منها كيفية توزيع 565 مقعدا في المؤتمر قد تسبب في  تأجيل بدأ الإنعقاد حتى مارس 2013.

مؤتمر الحوار الوطني المنعقد كان قد تكفل في  حل القضايا النظامية، كما أعطى صوتا للجهات الفاعلة خصوصا المهمشة في السابق  والفصائل السياسية الجديدة, جنبا إلى جنب مع النخبة السياسية المتواجدة على المشهد. وكانت القضايا الخلافية بين أعضاء المؤتمر قد تمثلت في كيفية فدرالية الدولة، وتمديد المخطط للمؤتمر من ستة  إلى عشرة أشهر، الاستنتاجات التي يمكن أن يخرج بها مؤتمر الحوار أطالت عملية الأنتقال, وأنه ربما قد يكون هنالك جدول زمني للعملية غير واقعية. وتتظمن الوثيقة النهائية للمؤتمر بما يقدر 1400 من التوصيات التي تم رفعها منها ما هو مقررا  في أن يكون ضمن أساسيات المبادئ التوجيهية للدستور اليمني الجديد.

هذا وسيبقى الرئيس هادي في منصبه لمدة عام آخر للأشراف على صياغة وإستفتاء الدستور. وبمجرد الأتفاق على الدستور الجديد سيتم التنسيق للأنتخابات الرآسية في غضون تسعة أشهر، وقد أنشأ الرئيس هادي لجنة تظم 22 عضوا في 27 يناير 2014, مهمتها  تقتضي تحديد عدد المناطق الفيدرالية في اليمن، وكثيرا ما يجري طرح المشكلات المتعلقة بفكرة الأقاليم, وتهيأت البلاد لمشروع الحكم الفيدرالي, في ضوء منح عدد من الصلاحيات لحكومات الأقاليم وفك تعثرات المركزية الشديدة.

هنالك من يدفع أحيانا أن تقسيم اليمن إلى أقاليم متعددة, تجسد صورا مختلفة للبدء في مشروع تقسيم البلد, وتحويل الدولة الواحدة إلى عدة دويلات, وهذه الفرضية التي من شأنها تضمير روح القلق السابق والانحدار إلى تقويض المحاولات التي هي من نوع التفاهم والاتفاق على صياغة خارطة جديدة تضمن بناء الدولة في اليمن جديد.

كيف سيتم تقسيم البلاد؟ وكم عدد المناطق أو الأقاليم؟ تظل قضية مثيرة للجدل, لأنها بهذه الآلية مثلا قد تساعد في منح الاستقلال للجنوب في نهاية المطاف. وقد سعى العديد من الجنوبيين في تقسيم البلاد إلى إقليمين فقط, في حين دفع الشماليون إلى مد ذلك التقسيم ليشمل عدد ستة أقاليم, اثنان منها فقط في الجنوب. وقد تمت الموافقة من قبل لجنةالأقاليم في اجتماعها بتاريخ 10 فبراير من هذا الشهر الحالي على أن يكون اليمن مقسما إلى ستة مناطق أو أقاليم فيدرالية. ولم يتم تضمين العاصمة اليمنية صنعاء إلى أي من الأقاليم الستة إضافة إلى مدينة عدن, عاصمة الجنوب سابقا. ويرفض القادة الجنوبيون والجماعة الحوثية آلية هذا التقسيم.

النخبة السياسية في اليمن, حتى ممن يحسبون على النخب التقليدية, تقف إلى جانب لا مركزية الدولة والدفع في الإقرار بنظام الحكم الفيدرالي إلى الأمام، إن هيكل الحكم القديم يظمن حصول المتنفذين والنخبة الحاكمة على الامتيازات الاقتصادية من خلال عقود النفط والبترول وتموين مشروع التنمية الدولية, وغيرها من الفوائد التي ظلت تاريخيا تحت سيطرة ونفوذ الدولة المركزية. على هذا النحو فليس في مصلحة النخبة معرفة جميع التوصيات التي وضعها مؤتمر الحوار الوطني, وفي ذلك ينبغي أن تكون القرارات الجديدة في عملية الأنتقال في تحدي لمختلف مصالح النخبة. وعلى الرغم من أن مؤتمر الحوار قد أعطى صوتا للمهمشين تاريخيا, إلا أن النخبة لا تزال قادرة على التأثير بشكل كبير على نتائج عملية الأنتقال في اليمن، ومن صريح القول أنه كلما تحركت العملية والانتقال السياسي إلى الأمام, كلما استمرت النخبة في محاولتها قلب النتائج الإيجابية, مما قد يؤدي ذلك إلى تقويض العملية الانتقالية برمتها.

إن استمرار القضايا والتحديات الاجتماعية والاقتصادية في اليمن دون معالجة هي المشكلة الكامنة وراء كل المعوقات والإشكاليات السياسية. مؤتمر الحوار ناقش عدد من القضايا التي دفعت اليمنيين في الخروج إلى الشوارع في الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها اليمن في العام 2011, كما ناقش أيضا مجمل التحديات الأمنية التي تواجهها الدولة. الفرص الاقتصادية محدودة في اليمن وقد تأثرت كثيرا جراء هبوط مؤشرات التحويلات المالية الاجنبية وترحيل عدد كبير من العمالة اليمنية في السعودية. وقد اعتبرت الأمم المتحدة أن أكثر من 10 مليون شخص في اليمن يعانون من انعدام الأمن الغذائي, بينما هنالك مايقارب 13 مليون من السكان لا يحصلون على المياه النقية.

ومن أجل تجنب ويلات الحروب والانقسامات, قدم مؤتمر الحوار الوطني الشامل, فرصة تاريخية لفرقا السياسة والصراعات في اليمن. ولأن الوضع في خلال المراحل السابقة لم تنجح فيه أي مصالحة سياسية حقيقية, وبدا من الواضح أن أي تفاهم جديد هو مصدر لصراع جديد وحرب  جديدة, كم كان اليمنيون بحاجة إلى صياغة توافق سياسي ثابت غير منقوص تدخل فيه كل الأطراف والقوى والتوجهات السياسية المختلفة. وبما أن البلد قد تم إعلانه مؤخرا دولة فيدرالية تتألف من ستة أقاليم, يتوجب على التوافق السياسي- كفرضية- الاهتمام بالمسائل الملحة, وأهمها طريقة عمل الفيدرالية, والتوزيع النسبي للسلطة في ما بين حكومات المركز  والأقاليم , والتزام مبادئ الشفافية في إيرادات وتصدير موارد البلد, واحترام حقوق الإنسان, والنهوض بالفرد وغيرها.

فعالية ثورية في صنعاء

فعالية ثورية في صنعاء

الصراع المتجدد في اليمن يدفع دائما إلى انعدام الأمن, كما يمنع المساعدات الانسانية من الوصول إلى الفئات الضعيفة والمستحقة من السكان. إلى ذلك فالصراعات الجارية أيضا تؤكد محدودية قدرة الدولة المركزية عل بسط وممارسة سيادتها داخل حدودها الجغرافية. الرئيس هادي بحاجة إلى النظر وتمعين القراءة في قضية الجماعة و الحوثية المتمردة والرافضة لمخرجات الحوار في الشمال, وهو في نفس الوقت بحاجة في الاستدارة إلى العديد من الجنوبيين الذين لديهم الحضور السلبي فيما يتعلق بالانتقال, والتخوف من حدوث انتفاضة في حضرموت, وبروز عدد من التيارات المناهضة للحكومة, مع دوام التهديد الذي يشكله تنظيم القاعدة في هذا الجزء من البلاد.

الصراع مع الحوثيين

 تلقى حركة الحوثيين, والتي تستمد اسمها من مؤسسها حسين بدر الدين الحوثي, دعما من أفراد الطائفة الشيعية الزيدية في شمال اليمن. الحركة تستشهد التهميش الاقتصادي والسياسي من جانب الحكومة المركزية, إضافة إلى عدد من المظالم, كما تسعى إلى إحياء الحكم الزيدي في شمال اليمن. وقد خاضت الدولة اليمنية ضد الحوثيين ستة حروب متتالية, والمعروفة باسم (حروب صعدة), وقد انتهت الحرب الاخيرة أساسا في فبراير من العام 2010, إلى فخ التعادل بين الطرفين.

الصراع مع الحوثيين اندلع مرة أخرى في خريف 2013 شمال اليمن. وقد خلق محاولة  الحوثيون من توسيع نفوذهم رد عنيف. وعلى عكس المرات السابقة للحرب مع الحوثيين كان ذلك العنف ليس ضد الدولة, لكن تشاركت فيه مصالح محلية. التوسع الحوثي في محافظة عمران جنوبا, على سبيل المثال لاقى ردا عنيفا من القبائل اليمنية ومنها حاشد التي قاتلت بشراسة ضد هذا التوسع. وقد حاولت صنعاء إنهاء القتال عن طريق إرسال الوفود إلى المناطق المتضررة  لتكون بمثابة وسطاء لحل الصراع القائم. وقد قام وفد رآسي  بالتفاوض بنجاح مع الاطراف المتنازعة في أوائل يناير كانون الثاني في مدينة حرض محافظة حجة, في خطوة تقوم الحكومة اليمنية بنشر قوات الأمن في مناطق الصراع.

 القتال في دماج – تركز على المدرسة السلفية- دار الحديث- يختلف اختلافا جذريا من القتال في أجزاء أخرى شمال اليمن لأنه حرب قائم وفقا لخطوط طائفية. وقد استهدف الحوثيون مرارا المدرسة بسبب تركيزها على تعليم الاصول السنية التي تتخذ الجماعة منها موقف عادئي تاريخي منذ قرون طويلة، وكان التوتر قد تخمر منذ قيام الحوثيون بفرض حصار شديد على دماج في خريف 2011. وقد اندلع القتال مرة أخرى في أوائل خريف 2013. وقد شهدت المنطقة حرب ضروس زادت من وطأة الظروف المحلية للسكان. وكان وقف اطلاق النار الذي رعته الحكومة اليمنية قد جعا لالأنسحاب قوات الجانبين من مواقعهم في دماج, ورحيل قسري لجميع الطلاب من المدرسة. وقد هدفت الحكومة إلى إيواء أهالي دماج والمتضررين في محافظة الحديدة, ويبدو أن الأمور بشأن عملية الإيواء  لم تحسم حتى اللحظة.

ليس من الواضح إلى أي درجة يرتبط العنف مع القرارات السياسية التي تبذلها العاصمة صنعاء. لكن ماهو واضح لجميع الجهات الفاعلة هو أن الحوثيين خلقوا حقائق على أرض الواقع من خلال التوسع في مناطق جديدة, وإلى حد كبير تحسين وضعهم التفاوضي. وخلال عملية الحوار الوطني الذي دخل فيها الحوثيون كطرف من المعادلة السياسية ركب الحوثيون غمار التحول في اللحظات الاخيرة لأنعقاد المؤتمر رافضين قبول التوافق في الاراء على التصويت بالاغلبية. وهكذا استمر تهديد الجماعة طوال فترة الانعقاد بالانسحاب من قاعات المؤتمر, وهو ما يفسره الكثيرون تطلع الحوثيون في الحصول على تنازلات اضافية.

الاعتراف من الحوثيين على الارض بقبول النظام الاتحادي من شأنه تفتيت وبعثرة المكاسب التي حققتها على مدار العامين 2011, 2012 , كما أنهم لن يحصلوا في أقل التقديرات إلا على مقعد واحد في الحكومة الجديدة ضمن النظام الفيدرالي في اليمن، إن القدرة على التأثير في شكل مستقبل اليمن تساعد الحوثيون على الاحتفاظ بالمكاسب الاقليمية والسياسية التي قطعتها الجماعة على مدار العامين 2012, 2013.

الحراك الجنوبي 

من الصعب قياس مدى التأييد للحراك الجنوبي في المحافظات الجنوبية والشرقية في اليمن بسبب ترتيب مصالح الحراك الجنوبي والمصالح المحلية. وتنعكس معارضة الحراك الجنوبي  للحكومة المركزية على القبائل المحلية والسلطات المحلية وتهييج المشاعر العدائية. الحراك أيضا لا يدعم فكرة الأرباح من الموارد المحلية في الذهاب الى الحكومة المركزية، ومع ذلك فقد حاول الحراك الجنوبي النبش في تحركات الحكومة ودعمها برامج التنمية والاصلاح في هذه المحافظات.

ويحاول الحراك الجنوبي  أن يفهم مؤيديه أن قوات الأمن التابعة للحكومة المركزية هي بمثابة القوات المحتلة وترغب في الاستفادة من الثروة النفطية التي يمكن العثور عليها في المنطقة. وقد دعم قادة الحراك الجنوبي الحديث عن الصراع في سياق الصراع بين الشمال والجنوب.

تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية

 لا يزال فرع تنظيم القاعدة  في اليمن نشط  وسوف يستمر في استغلال الأوضاع الأمنية في البلاد. وكان كل من وزارة الخارجية الأمريكية والحكومة اليمنية قد أعلنا الانتصار على أنصار الشريعة- الذراع العسكري للقاعدة في جزيرة العرب- في عام 2012 على يد الجيش اليمني. وقد أثبت مسار الأحداث خلال العام الماضي أن هذا النصر لم يكن نهائيا. ويبدو أن القاعدة في جزيرة العرب

نقطة عسكرية للقاعدة

نقطة عسكرية للقاعدة

تفضل تأجيل فكرة الاستيلاء على الأرض مباشرة ويمكن أن تستثمر الظروف الراهنة  في شن هجمات شاملة.  وبدلا من ذلك عادت إلى خطة العمليات التي  سارت عليها قبل العام 2011: شن هجمات على نطاق واسع تستهدف المواقع العسكرية إلى جانب حملة الاغتيالات ضد الحكومة، والاجهزة الامنية والعسكرية، وضباط  المخابرات. ما تم ملاحظته بشكل أكبر  أن القاعدة في اليمن  لم تتخل عن جهودها في استهداف الولايات المتحدة الامريكية والتهديدا المباشرا للأمن القومي الأمريكي.

الولايات المتحدة الأمريكية دائما ما وقفت في اليمن موقف الخائف من تطور أنشطة فرع القاعدة, واحتمالية التصعيد في  الأنشطة المحلية التي يقوم بها بين الحين والآخر خارجيا وهو ما تتحاشاه الإدارة الأمريكية, فيما يضمن الاطمئنان على سلامة مصالحها في المنطقة وتجاوز مرحلة القلق فيما يخص كذلك الاطمئنان على سلامة الأمن القومي الأمريكي، وهكذا يظل الموقف الأمريكي الأخير تجاه الجماعات الأخرى في اليمن كالجماعة الحوثية المتمردة في الشمال, والحراك المطالب بالانفصال في محافظات الجنوب, موقفا مبهما إلا أنها تصر على ضرورة قيام الرئيس الجديد بمواصلة عملية الانتقال والوصول مع كل الأطراف والفر قاء إلى نقطة مناسبة تضمن سلامة واستقرار البلد وتدفع نحو تهيأت الأجواء للقوى الأمنية في مواصلة المواجهة والحرب ضد تنظيم القاعدة.

التطلع للمستقبل

 من ثلاث سنوات- منذ اندلاع الاحتجاجات في اليمن- والبلاد منذ العامين تسير في خطة عملية الانتقال السياسي.  وقد رعى الرئيس هادي الفصائل السياسية المختلفة في اليمن من خلال عملية حوار وطني، ولكن دعونا نتساءل عما إذا كانت هذه العملية سوف تنجح في حل القضايا الجوهرية.

يجب تشغيل كل التوصيات الصادرة عن مؤتمر الحوار الوطني وتحويلها إلى أفعال. لكن من الواضح أن هنالك مؤشرات تتحدث على أن النخبة السياسية، التى تخشى فقدانها لمصالحها الخاصة  من خلال الاقرار بعملية اللامركزية في اليمن، لا زالت تلعب في الظل وسط الاجواء الساسية الحالية، والأمل هو أن عملية الانتقال السياسي ستحل العديد من مشاكل النزاع في اليمن، مثل المظالم السياسية والاقتصادية. لكن إصلاح الدولة أساسا يبقى هو المهمةالشاقة, كما أن الوقت اللازم لأنجاز الإصلاحات قد لا يتتطابق مع توقعات اليمنيين.

يتوجب على اليمن السير قدما نحو ترسيخ الحكم الرشيد, وتفعيل دور القانون, فالمسألة ليست اختيار أو تشكيل حكومة جديدة, ذات كفاءة عالية, بحجم خطورة وأهمية المرحلة, بل على كيفية قيامها بتوفير المتطلبات الضرورية لمواطنين وتوفير الأمن، ولأن الجانب الأمني في اليمن قد أصبح هشا للغاية, فلا يعني أن نمنح نقطة الضعف مزيدا من القوة فقط, بل تعني في نهاية المطاف الوصول إلى نتائج تحقق الضبط والتوازن, وهو جانب مهم لن يتأتى إلا بوجود حكومة, وقانون فاعل.

عناصر امنية

عناصر امنية

التحديات الاقتصادية لا تقل خطورة من التحديات الأمنية, كلاهما وجهان لنفس القصة. وفي وضع حرج كوضع اليمن, خصوصا والبلد يشهد مرحلة التحول السياسي والانتقال, مع استمرار الحرب والصراعات ومسلسلات العنف, لا يمكن على أية حال ضمان أن يتحول البلد- كمطلب خرجت من أجله احتجاجات 2011- عن نموذج الفساد ونهب الثروة وشيوع الرشوة, والسرقة, بل إن الوضع بحاجة إلى تفهم عميق والاستمرار في مواصلة الركض فيما يضمن حل الخلافات العالقة, حتى وإن كان ذلك بخطوات بطيئة, لا يهم مادامت هنالك رغبة واضحة في الوصول أخير إلى مطلب التغيير في كل جوانب الحياة والحكم في اليمن.

كثيرا ما يجري طرح المشكلات المتعلقة بفكرة الأقاليم, وتهيأت البلاد لمشروع الحكم الفيدرالي, في ضوء منح عدد من الصلاحيات لحكومات الأقاليم, وفك تعثرات المركزية الشديدة، وهنالك من يدفع أحيانا أن تقسيم اليمن إلى أقاليم متعددة, تجسد صورا مختلفة للبدء في مشروع تقسيم البلد, وتحويل الدولة الواحدة إلى عدة دويلات, وهذه الفرضية التي من شأنها تضمير روح القلق السابق والانحدار إلى تقويض المحاولات التي هي من نوع التفاهم والاتفاق على صياغة خارطة جديدة تضمن بناء الدولة في اليمن جديد.

* كاثرين زيمرمان محللة سياسية كبيرة في مؤسسة الأنتربرايز الامريكية

نشرت المادة في صحيفة الناس الاسبوعية

أضف تعليق